مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
المؤلف: محمد بن عبدالوهاب
قتال أهل الردة
وصورة الردة: أن العرب افترقت في ردتها فطائفة رجعت إلى عبادة الأصنام وقالوا: لو كان نبيا لما مات وفرقة قالت: نؤمن بالله ولا نصلي وطائفة أقروا بالإسلام وصلوا ولكن منعوا الزكاة وطائفة شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولكن صدقوا مسيلمة أن النبي ﷺ أشركه معه في النبوة
وذلك: أنه أقام شهودا معه بذلك وفيهم رجل من أصحابه معروف بالعلم والعبادة يقال له الرجال فصدقوه لأجل ما عرفوا فيه من العلم والعبادة ففيه يقول بعضهم ممن ثبت منهم:
يا سعاد الفؤاد بنت أثال ** طال ليلي بفتنة الرجال
فتن القوم بالشهادة والله ** عزيز ذو قوة ومحال
وقوم من أهل اليمن صدقوا الأسود العنسي في ادعائه النبوة وقوم صدقوا طليحة الأسدي
ولم يشك أحد من الصحابة في كفر من ذكرنا ووجوب قتالهم إلا مانع الزكاة ولما عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم قيل له: « كيف نقاتلهم؟ وقد قال رسول الله ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها قال أبو بكر: فإن الزكاة من حقها والله ! لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله ﷺ لقاتلتهم على منعه »
ثم زالت الشبهة عن الصحابة رضي الله عنهم وعرفوا وجوب قتالهم فقاتلوهم ونصرهم الله عليهم فقتلوا من قتلوا منهم وسبوا نساءهم وعيالهم
فمن أهم ما على المسلم اليوم: تأمل هذه القصة التي جعلها الله من حججه على خلقه إلى يوم القيامة
فمن تأمل هذه تأملا جيدا - خصوصا إذا عرف أن الله شهرها على ألسنة العامة وأجمع العلماء على تصويب أبي بكر في ذلك وجعلوا من أكبر فضائله وعلمه: أنه لم يتوقف في قتالهم بل قاتلهم من أول وهلة وعرفوا غزارة فهمه في استدلاله عليهم بالدليل الذي أشكل عليهم فرد عليهم بدليلهم بعينه مع أن المسألة موضحة في القرآن والسنة
أما القرآن فقوله تعالى: { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم }
وفي الصحيحين أن « رسول الله ﷺ قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى »
فهذا كتاب الله الصريح للعامي البليد وهذا كلام رسول الله ﷺ وهذا إجماع العلماء الذين ذكرت لك
والذي يعرفك هذا جيدا: هو معرفة ضده وهو أن العلماء في زماننا يقولون: من قال لا إله إلا الله فهو المسلم حرام المال والدم لا يكفر ولا يقاتل حتى إنهم يصرحون بذلك في شأن البدو الذين يكذبون بالبعث وينكرون الشرائع ويزعمون أن شرعهم الباطل: هو حق الله ولو طلب أحد منهم خصمه أن يخاصمه عند شرع الله لعدوه من أنكر المنكرات بل من حيث الجملة: إنهم يكفرون بالقرآن من أوله إلى آخره ويكفرون بدين الرسول كله معه إقرارهم بذلك بألسنتهم وإقرارهم: أن شرعهم أحدثه آباؤهم لهم كفرا بشرع الله
وعلماء الوقت يعترفون بهذا كله ويقولون: ما فيهم من الإسلام شعرة وهذا القول تلقته العامة عن علمائهم وأنكروا به ما بينه الله ورسوله بل كفروا من صدق الله ورسوله في هذه المسألة وقالوا: من كفر مسلما فقد كفر والمسلم عندهم: الذي ليس معه من الإسلام شعرة إلا أنه يقول بلسانه: لا إله إلا الله وهو أبعد الناس عن فهمها وتحقيق مطلوبها علما وعقيدة وعملا
فاعلم - رحمك الله - أن هذه المسألة: أهم الأشياء كلها عليك لأنها هي الكفر والإسلام فإن صدقتهم فقد كفرت بما أنزل الله على رسوله ﷺ كما ذكرنا لك من القرآن والسنة والإجماع وإن صدقت الله ورسوله عادوك وكفروك
وهذا الكفر الصريح بالقرآن والرسول في هذه المسألة: قد اشتهر في الأرض مشرقها ومغربها ولم يسلم منه إلا أقل القليل
فإن رجوت الجنة وخفت من النار: فاطلب هذه المسألة وادرسها من الكتاب والسنة وحررها ولا تقتصر في طلبها لأجل شدة الحاجة إليها ولأنها الإسلام والكفر وقل: اللهم ألهمني رشدي وفهمني عنك وعلمني عنك وأعذني من مضلات الفتن ما أحييتني