العرب العاربة والعرب المستعربة هم العرب الذين كانوا يؤلفون جمهرة العرب بعد هلاك العرب البائدة ، وينقسمون إلى قسمين :

العرب العاربة ، وهم الذين ينحدرون من أبناء قحطان.. والعرب المستعربة هم الذين ينحدرون من نسل عدنان

وأما قحطان فهو ـ كما ذكر الأخباريون ـ ابن هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل : ابن هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح"، وقيل : قحطان بن يمن بن قدار. وقيل : قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم.

وقد ألح على النسب الأخير النسابة النزارية الذين ينتمون لـ "نزار بن معدّ" الذين كانوا ينافسون في الحسب اليمانية ، وغايتهم من ذلك وصل نسب قحطان بشجرة نسب أولاد إسماعيل عليه السلام .

وأيدهم في ذلك بعض النسابة اليمانية، أمثال : "هشام بن الكلبي" و "الشرفي بن القطامي" و "نصر بن زروع الكلبي" و "الهيثم بن عدي".

ولكن كثيرين من العلماء شكك في نسب قحطان لإسماعيل عليه السلام ، وقالوا : إن القحطانيين وضعوه من أجل وصل نسبهم بالأنبياء ، حيث وجدوا أن العدنايين يفخرون عليهم باًن فيهم النبوة والأنبياء، ومنهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وفيهم إسماعيل جدهم ، فأرادوا أن يكون لهم أجداد أنبياء: أنبياء خلص قحطانيون، أو أن يكون لهم نسب يتصل بنسب إسماعيل على الأقل، أو أن يصل نسب إسماعيل بأسباب نسبهم، فقالوا: إنهم من نسل هود، وهود نبي من أنبياء الله، وقالوا: إن قحطان من نسل إسماعيل، وقالوا: إن هوداً هو عابر، وعابر من نسل الأنبياء، وقالوا أشياء أخرى من هذا القبيل ترمي إلى ترجيح كفتهم على كفة منافسيهم العدنانيين في الفخر بالأنساب على الأقل.

هذا وقد بالغ بعض الأخباريين أمثال هشام بن الكلبي في تقدير الفترة التي قضاها قحطان في ملكه حتى عدها بمائتي عام ، وقد أنجب قحطان أربعة وعشرين رجلاً، وهم: يعرب، والسلف الكبرى، ويشجب، وأزال ، ويكلى الصغرى، وخولان والحارث، وغوث، والمرتاد، وجرهم، وجديس، والمتمنع، والمتلمس، والمتغشمر، وعباد ، وذو هوزن، ويمن، وبه سميت اليمن، والقطامي ، ونباتة، و حضر موت، وسماك، وظالم، وخيار، والمشفتر .

وقد ورث الملك بعد أبيه من هؤلاء - على رأي الأخباريين - يعرب، وكان ملكه باليمن، وقد غلب على بقايا عاد، ووزع إخوته في الأقطار ، فأقر أخاه حضرموت على الأرضين التي عرفت باسمه ، فقيل لها : حضرموت، وعين عمان على أرض عمان ، وولى جرهماً على الحجاز ، وقيل : إنه مكث في الملك مائتي عام مثل أبيه .

وكانت أم يعرب هذا ـ كما يقال ـ من عاد أو من العماليق، وله إخوة منها دون أبيه ، وهم: جرهم والمعتمر والمتلمس وعاصم ومنبع والقطامي وعامي وحمير وغيرهم.

وإلى يعرب هذا ينسب أهل الأخبار نشوء اللغة العربية، حيث زعموا أنه كان أول من أعرب في لسانه، ولهذا قيل للسانه "العربية". وهذه رواية قحطانية تعارض الروايات العدنانية بالطبع..

وقد أنجب يعرب هذا ولدا أسماه " يشجب" وبه كان يكنى، وثانيا أسماه "شجبان" وبه سميت منطقة "شجبان" باليمن، بالإضافة إلى وحيدان، وحيادة، وجنادة، ووائل، وكعب ، وجرهم. وقيل : إنه نزل بأولاده كلهم اليمن فأسكنهم بها.

ورغم ذلك لم يرد اسم "يعرب" في الشعر الجاهلي ـ حسبما ذكر د / جواد علي ـ وإنما ورد فقط في شعر ينسب إلى "حسان بن ثابت"، وفي شعر ينسب إلى "مضاض بن عمرو الجرهمي .

كما جاء في التوراة محرفا باسم "يرب Jareb" وغير منسوب إلى قحطان ، ولكن التوراة إن عول عليها في أنساب بني إسرائيل فإنه لا يعول عليها في نسب العرب ، وخاصة بعد أن ثبت باليقين أن تلك الأنساب من كتابة العلماء اليهود ، وليست وحيا من عند الله سبحانه وتعالى ( راجع في ذلك كتاب الملل والنحل لابن حزم حيث قدم فيه أدلة عديدة على وقوع كتاب التوراة وكذلك الإنجيل في أخطاء في النسب لا تخفى على الباحث الفطن ) ..

وقد انتقل الملك بعد يعرب - على رأي الأخباريين - إلى ابنه يشجب، ويقال له "يمن"، ومن ولده عبد شمس، ويقال له عامر ويلقب ب"سبأ" على زعم بعض الأخباريين ، وهو الذي بنى ـ كما يقال ـ قصر سبأ ومدينة "مأرب"، وأنه فتح مصر وبنى بها مدينة عين شمس ، كما ينسب إليه جرهم .

وانتقل الملك بعد يشجب إلى ابنه "سبأ الأكبر"، واسمه "عبد شمس" وقد ذكر "الهمداني" نقلاً عن بعض الرواة أن سبأ هذا هو أول من نصّب ولي العهد في حياته.. وأول من سبى السبي ممن حاربوه وناصبوه العداء .

وذكر "حمزة الاصفهاني" أنه سار ( أي سبأ ) في مدن اليمن ومخابئها، و كانت إذ ذاك في بقايا عاد، فلم يدع بأرضها أحدا منهم إلا سباه واستبعده فسمي لذلك "سبأ"، ووطد بذلك حكم القحطانيين في اليمن.

وقد أنجب سبأ هذا ـ حسبما ذكر المسعودي عشرة أولاد، تشاءم ( أي ساروا ناحية الشمال ) منهم أربعة، وتيامن ( أي ساروا ناحية اليمين ) منهم ستة ، فالذين تشاءموا: لخم وُجذام وعاملة وغسان، والذين تيامنوا حمير والأزد ومذحج وكنانة والأشعريون وأنمار الذين هم بجيلة و خَثْعَمْ.

وورث الملك من بين هؤلاء حمير الذي تولى الملك بعد أبيه: وكان كما يقول المسعودي : أول من وضع على رأسه تاج الذهب من ملوك اليمن، ولذلك عرف به "المتوّج" واستمر في الملك خمسين عاما .

هؤلاء هم أبناء سبأ أما جرهم فيقال : إن من أبنائه قبيلة جرهم الثانية التي نزلت بمكة، وصار رجالها سدنة البيت ، وهم الذين نشأ بينهم إسماعيل عليه السلام بعد أن أسكنه هو وأمه عليهما السلام عند البيت الحرام ، وأنه تزوج منهم وصار لهم صهرا..

ولكن آيات القرآن الكريم تؤكد على أن إسماعيل وأمه عليهما السلام هم أقدم نزولا إلى جوار البيت ، وأن قبيلة جرهم ربما نزلت إليهما بعد أن عمر المكان بالمياه ، حيث يقول الله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام : " {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [إبراهيم: 37]..

وقيل : إن جرهم بغت بعد ذلك بمكة على من أتى لمجاورتها ، وظلمت من دخلها من غير أهلها، واستولت على مال الكعبة الذي كان يهدى لها من الحجيج ، فلما رأت "بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة" و "غبشان" من خزاعة ذلك أجمعوا على حربها معا وإخراجها من مكة ،فاقتتلوا وكان النصر لبني بكر وخزاعة ، وأجليت جرهم بعد هزيمتها من مكة إلى ساحل البحر الأحمر ، حيث اقام هنالك وكان منهم عبيد بن شرية الجّرهي" القصاص.

وقد ورث الملك بعد سبأ ابنه حمير ، وكان كما يقال: أول من وضع على رأسه تاج الذهب من ملوك اليمن، ولذلك عرف به "المتوّج" وحكم خمسين سنة.

وقد أنجب من الأولاد كلا من : مالك، وعامر، وعمرو، وسعد، ووائلة والهميسع ، ومالك ، ولهيعة ، وُمرة وزيد، وعريب، ووائل، ومسروح، ومعديكرب، وأوس.

وإليهم تنسب القبائل العربية التي جاءت بعدهم ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر : موقع التاريخ